إن المجتمعات والحضارات الانسانية على مر التاريخ، تنقلت سلطاتها وسطواتها بين الناس على حسب الظاهرة الطبيعية والتطور البيولوجي لدى الكائن الانسان، فتمرحل تاريخ البشرية إلى ثلاثة مراحل (وحشية – بربرية – حضارة)*، إستحوذ فيه الرجل الجانب الاعظم؛ نسبة لكونه هو المحدد للنمط الاجتماعي –الايديولوجيا السائدة- و موزع الادوار الاجتماعية .

في فترة من الفترات عبر التاريخ كانت المرأة تُعتَبر إلهة، وذلك للإعتبار الذي يسود عنها بأنها منبع الحياة، فكانت ببساطة تنجب الصغار .. ولم يكن بمقدور انسان تلك الفترة تفسير عملية الإخصاب إلا بعد زمن طويل .. وأيضاً في تلك الآونة كان الأطفال ينسبون إلى أمهاتهن نسبة لقلة الضوابط التي توجه الممارسة الجنسية ، فقد كانت أقرب لأن تكون مفتوحة ؛ بحيث تكون المرأة زوجة لكل الرجال ويكون الرجل زوج لكل النساء ، فصار من الصعب تمييز الأب فنسبوا الأطفال إلى الأم ، وأمست الام المرجعية والأصل الذي تنطوي تحتها جميع أبناءها وكان العصر الأمومي … ويبقى السؤال …كيف تحول هذا النظام من الأمومي إلى الأبوي ؟ وكيف إستمر كل هذه الفترة ؟!

لم يدم نظام العائلة هكذا طويلاً ، فقد اصبحت الأدوار الاجتماعية غير متساوية من حيث التحكم في السلطة الاقتصادية ، فكان للرجل(الزوج) الصيد والزراعة وتدجين الحيوانات ، وكان للمرأة(الزوجة) العمل المنزلي والرعوي ، ولكليهما أدواته التي يمارس بها عمله ..فسميت هذه الزيجة بالـ(العائلة الجوزية) ، ثم من بعد ظهور الإسترقاق إستملك الرجل تلك الأيادي العاملة وطوعها لخدمته في الزراعة وغيره ، فخلق لنفسه أهمية إجتماعية أكبر من السابق ؛فتحول دوره من الثانوي إلى المركزي وبالضرورة بدأ وضع المرأة بالتقلض تدريجياً ، كون الرجل هو المتحكم في منحى الحياة المعيشي ..ومن هنا بدأ الإستغلال ، وتمكن الرجل من توريث أبناءه(الذكور) من بعده لأجل إحياء إسمه في مماته ، وإندرجت الفتيات لموضع الام وهو إتباع الرجل ، وتواصل الركب هكذا وإنتقل المجتمع البشري تدريجياً من الامومي للأبوي .. وهنا تبزغ (العائلة الأحادية) والتي قامت على أسس إجتماعية جديدة و هي إمتلاك الزوج أدوات العمل التي شكل بها سلطته وسيطرته التامة على الاسرة .

تحكم الرجل في كل مناحي الحياة وما كان على المرأة إلا ان تتبعه ، فقد وضع القوانين التي تمنحه الصلاحيات ومن ثم الأعراف والتقاليد كالـ(أديان- الثقافة ..الخ) ، و يظهر ذلك جلياً في الأديان –الإغريق نموذجاً- فبعد أن كانت المرأة إلهة ظهر مجموع الآلهة على رأسهم زيوس ، ومنها إلى الإله الواحد الذي ولد نفسه بنفسه اوزيريس ، تم ذلك عبر آلآف السنين من التحكم والسيطرة والتوسع السلطوي وركود بيّن لدور المرأة في مجتمعها .

تقدم الزمن وتقدمت معه آليات القهر والاستبداد ، وما زالت المرأة مقيدة حتى في بعض الدول التي تدعي تحررها ، وصار دورها في دول العالم الثالث تحديداً مهمشاً و صورياً أكثر ، فهي مدجنة ومنمطة وليس بيدها مَلَكة قرارها ، بل انها تلتمس الإستقرار في هذا الوضع المزري حتى انها لا تعترف بالرجل إلا اذا مارس عليها الاضطهاد والقهر ، ومالم تتوفر فيه بعض السمات البطولية !! (كالقوة – الشجاعة – ثقة النفس ..الخ) غير ان هذا تنميط للذكر بحد ذاته و إستلاباً لشخصيته ، إلا ان ما يميز المرأة حالياً عن في ما مضى هي أنها بإمكانها اتخاذ مواقف لتدعم قضيتها و ترسي لحقوقها ، وذلك ليس عبر المشاركة السياسية بنسبة مرأة في برلمان تتجاوز ال20% وليس عبر وظائف حكومية مرموقة، بل بالوعي بالمشكلة في المقام الأول و إلتماس ذواتهن بعيداً عن الرجل لتحديد ماهيتهن وما يردن مستقبلاً .. وذلك لا يحدث بالصورة المطلوبة مالم يشارك بعض الرجال في توفير المساحات لكي يتحركن فيها ، ومالم يساندنهن في المطالبة بحقوقهن البسيطة .. فهذا المجتمع كالعجلة الهوائية لا تتحرك إلا بحركة بدالاتها وهاذان البدالان أيها السادة هما المرأة والرجل.

 

* أصل العائلة و الملكية الخاصة – أنجلز

محمد ابراهيم هارون (ابراهومه)


Fatal error: Uncaught Exception: 190: Error validating application. Invalid application ID. (190) thrown in /home/clients/ed3c6347dbe4ca3a4321eb32fe384a07/arablog/wp-content/plugins/seo-facebook-comments/facebook/base_facebook.php on line 1273