في دراسة نفسية للطلاب السودانيين وأزمة الفكر، ومخطط التأطير والتدجين الذي يقوده النظام على شكل (منهج التعليم) ، وكيفية ترسيخ المفاهيم المغلوطة على العقل الجمعي للطلاب و جعله مؤطراً مفاهيمياً وعُرضة للتسيير ، وكيف يجعل من الافراد و مِن مَن حولهم كجماعة مستوطناً للتخلف ، الذي بدوره يفيد المُسيّر للاحداث .

في هذا الجزء سنتحدث بتفصيل أكثر عن العقل الجمعي للطلاب ونحدد نوعيته ، وما هي الادوار التي يجب ان تحدد بالنسبة للمعسكرات في الوسط الجامعي لكي ينتقل نقلة حضارية مع مرور الزمان.

احدى الاحتجاجات الطلابية في جامعة السودان

احدى الاحتجاجات الطلابية في جامعة السودان

 

  • العقل الجمعي :

نعرفه ببساطة وبشكل مختصر ، هو اسلوب التفكير لدى مجتمع معين او جماعة، وإتفاقهم على واقعهم سواء أكان عرفياُ ام قانونياً ،ويكون هذا الاتفاق إما اجماعاً سكوتياً او عن مباحثة . وعندما نعكس الضوء على واقعنا نتفهم ان القائم عليه هو الاعراف المتواترة من أفراد الى آخرون ، واتباع وسيلة الاجماع السكوتي المستخدمة عند الأغلبية المفتقرة للمعرفة – المنقادة – لإيجاد الحلول ، وغياب اللوائح والقوانين والدساتير التي تحكم بروتوكول التعاون ما بين مكونات الجامعات، وتبزغ لنا هنا نوعية العقل الجمعي المتمثلة في اختلاطه المنهجي وانفصامه عن واقعه فنكون قد اكتشفنا اننا نستخدم العقل السجالي في وسطنا الجامعي ويكون هو بمثابة عقلنا الجمعي .

  • العقل السجالي :

وهو تنقل معيّن يفيد  مستخدميه يتمثل في تقويض الواقع لصالح الذات واقصاء ونبذ الاخر وتحميله المسؤولية واغلاق العقل داخل قضايا تكونت في اطار واقع معين . ومن خصائص العقل السجالي غض النظر عن المشاكل التي تمسه مباشرة او الدوران حولها ، وإفتقاره الظاهر للنقد الموضوعي في مناقشتها ، والخلط بين قضايا ومطالب ليست واحدة وإستبدالها بقضايا جانبية تبعد النقاش عن طاولته المفترضة .

يتصنع العقل السجالي الصراع او الحرب مع مخالفيه ، ويرفض مناقشتهم مناقشة داخلية بدعوى انه بذلك يضفي بعض الشرعية على منافسه ويبعده عن معسكر الصديق، ويكتفي بإستهداف ممارسات الطرف الآخر السلبية وكيل التهم عليه ، وكل ذلك لتحجيمه جماهيرياً و لبسط نفوذه و توسيع مواعين الذات ، ولذلك يبرز الصراع الآيدولوجي و الذي وظيفته الاساسية إعادة انتاج أزمة التخلف والشقاق في الوسط الطلابي، وللأسف من يقود هذه الازمة هم الطلاب المنتمون للتنظيمات السياسية الآيديولوجية.

ينقسم الوسط الطلابي الى قسمين – حسب العمل الفكري والميداني – أحدهما الطلاب المثقفون المتمثلون في كونهم كأفراد او في التنظيمات السياسية والكيانات الطلابية ، والقسم الثاني هم الطلاب الأكاديميون الذين يقصر عملهم على الكسب الاكاديمي من الدخول للجامعة . ولا يمنع ذلك  كون المثقف أكاديمي والعكس غير صحيح . فهؤلاء القسمان مكون اساسي من مكونات الوعي الموضوعي في الجامعة ومحدد لشكل العقل الجمعي، و نسبة لتدني هذا الوعي فبالضرورة ان يكون هذان القسمان مؤثران على النتائج السلبية البارزة في واقعنا المعاش، ولذلك سنحلل موقفهما وسنحدد دوريهما كمكونات.

موقف الطالب المثقف والاكاديمي وادوارهم المفترضة :
الطالب المثقف :

يتمحور موقفه حول تهربه من المسؤولية وانتفائها عن كاهله أو تعريضها للآخر أو على مفاهيم واسعة وعريضة كالوعي والتخلف – وهذا الأغلب – دون ابداء تفصيل معين والتماس حقيقي تجاه التغيير ، وبدوره يقدم الذاتية ويسعى للتعمير والبقاء المتمثل كتنظيم او كذات نرجسي .. وجلّ هدفه هو نقد الآيدولوجيا المضادة و مجابهة المفاهيم المبرهنة لتصرفاته والمقوّضة لصلاحياته وليّ أعناقها ، والبعد كل البعد عن نقد الذات موضوعياً؛ لكي لا يفصله هذا عن معسكر الصديق او الحليف ، ويعيش في هالة من النقاشات غير المرتبطة بالواقع فقط لبرهنة ذاته – المقهور – . هذا لا يجدر تلقيبه بالمثقف فالمثقف هو صاحب النظرة التجريدية للمجتمع بدعوى تطويره .. ولكن هذا يدعى السياسي ولكن على الجانب فلسفي لايمنع ذلك .

ودوره كمثقف عليه ان يتجاوز القطاع العام مفاهيمياً وان يربط الواقع مع بعضه لإكمال المشهد بهدف إنتقاده موضوعياً وتغييره جزرياً ، واستمالة العامة وحثهم على العمل و وضع خطة استراتيجية يشارك فيها الجميع تنهض بإنجاز أهداف مرحلية ملموسة ، وان يبعد تماماً عن المنفعة النهائية لذاته او لتنظيمه بهدف النقلة الحضارية للوسط الجامعي.

الطالب الأكاديمي :

يعيش هذا الطالب ما بين المطرقة والسندان “المثقف والسلطة” ، في حين يبتعد عنه المثقفون يتعمق فيه المتسلط ويعيشه في سطوته، الذي يسعى لإبقاء الحالة السادومازوشية المتمثلة في تسلطه على الطالب وقوقعته وتنمره المتكرر”سادية” ، وان يرتضي ذلك للطالب دون ان يبدي أية بادرة للرفض “مازوشية”. فيرضخ الاكاديمي ويتهرب من مسؤولياته ويحملها للمثقف ، وتعتبر هذه كأوالية دفاعية تجاه القمع المنظم من قبل المتسلط ، ويصحبها رفض للواقع ومن ثم عدم القدرة على تقبله وذلك لعدم امكانية تحليله واستيعابه أو عدم الرغبة في ذلك، مع الارادة الكاملة في تغييره للأفضل و لكنه ينتظر من يقدم على هذا الفعل لكي “يتبعه”، و حين يصعب التغيير واقعياً يبدأ بالتغيير في ذهنه، فيتصنع شخصية تعوضه عن واقعه الموضوعي ، وكلما برز له الأخفاق في التقمص كلما تماهى مع المجتمع المتخلف وأصابه العقل الجمعي لذلك المجتمع ، ويصير إما إمعة او مرتضي للحلول الجاهزة المقدمة من قبل المثقف ، والتي اذا فشلت يحمل وذرها المثقف.

دور الطالب الأكاديمي بسيط للغاية و يتمثل في ان يجابه واقعه المرير وان يتجرد بنظرته ويحلله موضوعياً بمعاونة الطالب المثقف، وان يتحمل تلك المسؤولية التي لطالما تهرب عنها وان يتملك القضايا التي تخصه .. بهذا المنوال مع مرور الزمان سينتقل الوعي الجمعي للطلاب ، وسيورث لمن هم خلفهم أدوات لكي يتملوكوا بها وعيهم الموضوعي بدالاً عن ذلك المتعرض للقهر والتدجين .

#هكذا_تحدث_ابراهومه


Fatal error: Uncaught Exception: 190: Error validating application. Invalid application ID. (190) thrown in /home/clients/ed3c6347dbe4ca3a4321eb32fe384a07/arablog/wp-content/plugins/seo-facebook-comments/facebook/base_facebook.php on line 1273